إنذار سعودي صريح للانتقالي وتشابكات إقليمية تعقّد المشهد في حضرموت والمهرة

تقارير

تشهد محافظتا حضرموت والمهرة، شرق اليمن، تصعيدًا غير مسبوق ينذر بانفجار المشهد، مع دخول التحالف الذي تقوده السعودية بثقل مباشر على خط الأزمة، وتأكيده الاستعداد للتعامل الحازم مع أي تحركات عسكرية للمجلس الانتقالي الجنوبي، في تطور يعكس خطورة المرحلة وحساسية الجغرافيا المتنازع عليها.

هذا التحول جاء استجابة لطلب رسمي تقدّم به رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، طالب فيه التحالف بالتدخل لحماية المدنيين واحتواء التصعيد، في ظل تحركات ميدانية متسارعة للمجلس الانتقالي الذي يسعى، وفق توصيف الحكومة، إلى فرض أمر واقع بالقوة في محافظات استراتيجية تشكل عمقًا أمنيًا واقتصاديًا لليمن.

 

مهلة سعودية ورسائل ردع

كشفت مصادر حكومية عن أن الرياض منحت المجلس الانتقالي مهلة محددة لسحب قواته من حضرموت والمهرة، ضمن مساعٍ تهدف إلى تسليم الملف الأمني لقوات “درع الوطن” والسلطات المحلية، ومنع انزلاق الأوضاع نحو مواجهة مفتوحة. وبالتوازي، تحدثت مصادر مطلعة عن حشود عسكرية كبيرة قرب منفذ الوديعة الحدودي، في مؤشر على جاهزية ميدانية لأي سيناريو محتمل.

وفي أول موقف رسمي منذ اندلاع الأزمة، طالبت السعودية المجلس الانتقالي بالانسحاب العاجل من المحافظتين، ووصفت تحركاته بأنها “أحادية”، مؤكدة أن أي تصعيد عسكري خارج مسار التهدئة سيقابل بتدخل مباشر لحماية المدنيين، وهو ما شدد عليه المتحدث باسم التحالف اللواء تركي المالكي.

 

الانتقالي يرفض ويصعّد سياسيًا

في المقابل، نفى المجلس الانتقالي تلقيه أي مهلة زمنية ملزمة، معتبرًا أن ما يصدر عن الرياض يندرج في إطار قنوات رسمية عامة لا تتضمن تفاصيل تنفيذية. وبدل الاستجابة لدعوات التهدئة، دعا المجلس أنصاره إلى احتشاد جماهيري في مدينة سيئون، في رسالة تحدٍ واضحة للضغوط السعودية، ومحاولة لإظهار التحركات بوصفها مدعومة شعبيًا.

ويرى مراقبون أن هذه الدعوة تمثل ردًا عمليًا على المساعي الإقليمية، وتفتح الباب أمام احتمالات أكثر توترًا، خصوصًا مع تزامنها مع اتهامات متبادلة بشأن ضربات جوية تحذيرية في وادي نحب، قالت وسائل إعلام الانتقالي إنها استهدفت قوات موالية له، بينما أكدت مصادر سعودية أنها كانت رسائل ردع دون خسائر.

 

واقع ميداني هش وانتهاكات متزايدة

على الأرض، تتحدث مصادر محلية عن اقتحامات وانتهاكات طالت منازل مواطنين في عدد من مناطق حضرموت، وسط تدهور الأوضاع المعيشية وتزايد المخاوف القبلية. وأكد حلف قبائل حضرموت، المدعوم سعوديًا، أن قوات من خارج المحافظة نفذت عمليات مداهمة واعتقالات وإطلاق نار عشوائي، ما أدى إلى سقوط ضحايا واندلاع اشتباكات مع أبناء المنطقة.

وتشير تقديرات ميدانية إلى أن قوات المجلس الانتقالي باتت تسيطر على مساحات واسعة من حضرموت، فيما أعادت القوى القبلية انتشارها في المناطق الجبلية، ما يعكس تعقيد المشهد واحتمال تحوله إلى صراع متعدد الأطراف إذا فشلت جهود الاحتواء.

 

لماذا تقلق السعودية؟

تنبع حساسية حضرموت والمهرة بالنسبة للرياض من موقعهما الجغرافي وحدودهما الطويلة مع السعودية وسلطنة عمان، إضافة إلى معبر الوديعة البري، الذي يمثل شريانًا استراتيجيًا. ويرى خبراء أن أي اختلال أمني في هذه المناطق قد ينعكس مباشرة على الأمن القومي السعودي، ويفتح المجال أمام تهريب السلاح وتدخلات إقليمية غير محسوبة.

كما تمثل حضرموت الثقل النفطي الأكبر المتبقي للحكومة اليمنية، ما يجعل السيطرة عليها خارج إطار الدولة تهديدًا مباشرًا للاقتصاد اليمني، ومصدر قلق بالغ للتحالف.

 

أبعاد إقليمية أوسع

يربط محللون بين تصاعد التوتر في شرق اليمن وتطورات إقليمية أوسع، من بينها الاعتراف الإسرائيلي بإقليم “أرض الصومال”، معتبرين أن ما يجري يعكس صراعًا متشابكًا لإعادة رسم خرائط النفوذ في البحر الأحمر وباب المندب والقرن الأفريقي. ويرى هؤلاء أن أي تفكك في اليمن سيخدم مشاريع خارجية ويعمّق هشاشة الإقليم.

في المقابل، ينفي المجلس الانتقالي وجود أي صلة بين تحركاته وتلك التطورات، مؤكدًا أن خطواته ذات دوافع أمنية محضة، بينما تعتبر الحكومة اليمنية أن هذه التبريرات لا تصمد أمام الوقائع الميدانية.

 

مفترق طرق

مع اقتراب انتهاء المهلة غير المعلنة، تبدو حضرموت والمهرة أمام مفترق حاسم: إما نجاح الوساطة السعودية–الإماراتية في فرض التهدئة وإعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة، أو انزلاق الوضع نحو مواجهة قد تعيد خلط الأوراق في اليمن والمنطقة بأسرها، في لحظة إقليمية شديدة التعقيد.