كان الفصل الأول من مسرحية البوساء قد انتهى للتو في مركز كينيدي مساء الأربعاء، عندما اخذ السيناتور ليندسي غراهام (عن ولاية ساوث كارولاينا) الرئيس دونالد ترامب جانبًا لإجراء محادثة سريعة بشأن إيران.
بدء غراهام بالإشادة بطريقة تعامل إدارة ترامب مع القضية النووية دون أن يُقتل أحد، فردّ ترامب: "نعم، نحن نحاول"، في إشارة إلى المفاوضات المتعثرة مع طهران، ثم أضاف: "لكن أحيانًا عليك أن تفعل ما يجب عليك فعله".
فهم غراهام من هذا التصريح أن ترامب كان يشير إلى احتمال قيام إسرائيل بضربة ضد عدوها اللدود.
جاء هذا اللقاء منتصف أسبوع شهد تحوّل ترامب من محاولة منع هجوم إسرائيلي إلى تأييد حملة مفاجئة من الضربات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت منشآت إيران النووية وقادتها العسكريين والمدنيين البارزين، وهو تحوّلٌ حاد نفّذه ترامب بعد أن تجاهلت إسرائيل مناشدته بتأجيل عمليتها العسكرية.
قال ترامب يوم الجمعة إنه كان على علم بخطط الهجوم الإسرائيلية، ورأى أن العملية العقابية قد تزيد من احتمال التوصل إلى اتفاق نووي، رغم إعلان إيران انسحابها من الجولة السادسة من المحادثات التي كان من المقرر عقدها يوم الأحد.
وقال ترامب لصحيفة وول ستريت جورنال: "كان ينبغي عليهم إبرام اتفاق، ولا يزال بإمكانهم فعل ذلك ما دام لديهم شيء متبقٍ — لا يزال بإمكانهم"، لكن ترامب بدا أقل تفاؤلاً في وقت سابق من الأسبوع.
واستدعى فريقه للأمن القومي إلى منتجع كامب ديفيد الاحد، وأبلغهم خلال مناقشة بشأن الشرق الأوسط بأنه يزداد تشاؤمًا بشأن احتمال موافقة طهران على إبرام اتفاق، وفقًا لمسؤولين أميركيين.
وكان من المقرر أن يتحدث ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في اليوم التالي، وقال الرئيس إنه سيطلب من نتنياهو تأجيل أي هجوم حتى ينتهي المبعوث الخاص ستيف ويتكوف من جهوده الدبلوماسية، بحسب ما نقله المسؤولون الأميركيون.
وكان ترمب قد حدد مهلة زمنية مدتها شهران من لحظة بدء المحادثات للتوصل إلى اتفاق في رسالة وجهها إلى المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي في مارس، وهي مهلة كانت على وشك الانتهاء هذا الأسبوع، لكن خامنئي رفض اقتراحًا أميركيًا يسمح لإيران بمواصلة تخصيب اليورانيوم مؤقتًا داخل البلاد مقابل موافقتها في المستقبل على وقف تشغيل أجهزة الطرد المركزي المحلية.
وفي الخلفية دائمًا، كان هناك ضغط نتنياهو المستمر لشن ضربات على المواقع النووية الإيرانية — وهو تهديد ازداد وضوحًا بمرور الوقت.
وابلغ ترمب رئيس الوزراء الإسرائيلي في مكالمة يوم الاثنين إنه يريد منح الدبلوماسية مع طهران فرصة أطول قليلًا، وفقًا لمسؤولين أميركيين، لكن ترامب بدأ يفقد ثقته في استراتيجيته.
وأضاف المسؤولون أن نتنياهو كرر اعتراضه المعتاد، قائلاً إن إيران لن توافق على الصفقة التي يريدها ترامب، وأن على إسرائيل أن تواصل الاستعداد لتوجيه ضربات، ويبدو أن ترامب استوعب هذه الرسالة.
وقال ترامب في مقابلة مع صحيفة نيويورك بوست نُشرت يوم الأربعاء بشأن احتمالية التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران: "أشعر بثقة أقل فأقل بشأن ذلك. يبدو أنهم يماطلون، وأعتقد أن ذلك أمر مؤسف، لكنني الآن أقل ثقة مما كنت عليه قبل بضعة أشهر".
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى منذ سنوات لإجهاض أي مفاوضات تقودها الولايات المتحدة مع إيران بشأن برنامجها النووي، مؤكدًا أن السبيل الوحيد لضمان عدم تطوير طهران قنبلة نووية سرًا هو تدمير أجهزة الطرد المركزي ومنشآتها النووية بالكامل.
وقد ابتهج نتنياهو عندما مزّق ترامب في ولايته الأولى الاتفاق النووي المبرم عام 2015 في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، لكنه شعر بالقلق عندما دفع ترامب في ولايته الثانية باتجاه اتفاق أشد صرامة.
وخلصت أجهزة الاستخبارات الأميركية في يناير إلى أن إسرائيل تدرس شن ضربات على المنشآت النووية الإيرانية، وأشارت التحليلات إلى أن إسرائيل ستسعى لدفع فريق ترامب الجديد إلى دعم هذا الهجوم، إذ اعتبرت أن الرئيس العائد سيكون أكثر ميلاً للمشاركة في ضربة من الرئيس السابق جو بايدن، كما اعتقدت إسرائيل، حسب التقييم، أن نافذة الوقت لوقف سعي طهران نحو امتلاك سلاح نووي كانت تغلق بسرعة.
وأمرت وزارة الخارجية الأميركية يوم الأربعاء بمغادرة جميع الموظفين غير الأساسيين من السفارة الأميركية في بغداد في إشارة إلى تصاعد القلق من هجوم إسرائيلي ورد إيراني محتمل، وسمحت بمغادرة الموظفين غير الأساسيين وأفراد عائلاتهم من البحرين والكويت، وأجاز وزير الدفاع بيت هيغسيث في الوقت نفسه المغادرة الطوعية لأفراد عائلات العسكريين في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وألغى الجنرال إريك كوريلا، قائد القيادة المركزية الأميركية، جلسة شهادة أمام الكونغرس كانت مقررة في اليوم التالي وعاد إلى مقر القيادة في تامبا.
وبينما كانت حالة القلق تتصاعد في الشرق الأوسط وواشنطن، كان ترامب يستمتع بمشاهدة عرض موسيقاه المفضلة البؤساء في مركز كينيدي، برفقة السيناتور غراهام وعدد من مؤيديه. وعندما تحدث ترامب ونتنياهو مجددًا يوم الخميس، قال نتنياهو للرئيس الأميركي إن هذا هو اليوم الأخير من مهلة الستين يومًا التي منحها ترامب لإيران من أجل التوصل إلى اتفاق، وإن إسرائيل لم تعد قادرة على الانتظار، وأضاف أن على إسرائيل الدفاع عن نفسها وتطبيق المهلة التي حددها ترامب بنفسه، وفقًا لمسؤولين مطلعين على المكالمة.
ورد ترامب بأن الولايات المتحدة لن تعيق العملية، بحسب المسؤولين، لكنه شدد على أن الجيش الأميركي لن يشارك في أي عمليات هجومية.
وقال ترامب للصحفيين في البيت الأبيض إنه لا يصف الهجوم بأنه وشيك، "لكنه شيء قد يحدث فعليًا"، وادعى أنه رغم اقتراب التوصل إلى اتفاق مع إيران، فإن الضربات الإسرائيلية قد "تُفشل" هذا الاتفاق.
وقد شنت إسرائيل عمليتها في الوقت الذي كان فيه ترامب يحضر نزهة مسائية على أراضي البيت الأبيض لأعضاء الكونغرس، وانضم إلى نائب الرئيس جاي دي فانس، ووزير الخارجية ماركو روبيو، ووزير الدفاع بيت هيغسيث، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال دان كين، ومسؤولين كبار آخرين في غرفة العمليات لمتابعة التطورات.
وصرّح ماركو روبيو بأن إسرائيل تصرفت بشكل أحادي وأن الولايات المتحدة لم تشارك في الهجوم، رغم أنها أبلغت واشنطن قبل تنفيذ العملية.
وكان هذا هو التصريح الأميركي الوحيد خلال الهجوم، الذي استهدف مرفقًا نوويًا إيرانيًا رئيسيًا في نطنز وأدى إلى مقتل كبار القادة العسكريين بمن فيهم اللواء حسين سلامي، قائد الحرس الثوري الإيراني.
وبحسب الرواية الإيرانية، فإن الضربة الأولى قتلت 78 شخصًا وجرحت نحو 320 آخرين في موجات متعددة من الغارات الإسرائيلية، وقد تعهد نتنياهو بأن العملية ستستمر ما دامت الحاجة قائمة.
أما ترامب، الذي بدأ الأسبوع وهو معارض للهجوم على إيران، سارع إلى تأييد العملية ووصفها بأنها حملة ناجحة قد تعزز جهوده الدبلوماسية، وكتب على وسائل التواصل الاجتماعي يوم الجمعة: "يجب على إيران أن تعقد صفقة قبل ألا يتبقى لها شيء، وتنقذ ما كان يُعرف يومًا بالإمبراطورية الإيرانية".