العيد في اليمن.. موسم للفرح المؤجل والوجع المؤبد

تقارير

 

ما إن تلوح العشر الأوائل من ذي الحجة، حتى تُفتح في اليمن دفاتر المواجع من جديد. عيد الأضحى – الذي يُفترض به أن يكون موسمًا للفرح – يتحوّل في هذه البلاد المنهكة إلى تذكير جماعي بالألم، وموسمٍ سنوي لاستعراض العجز في أسواقٍ صاخبة بالبؤس، وشوارع مكتظة بمن لا يملكون إلا السؤال.

 

من صنعاء إلى عدن.. العيد يمر من هنا متخفياً

في صنعاء، العاصمة التي تعودت على طقوس الأعياد منذ القدم، باتت الزينة مجرد ذكرى، والبهجة تُقاس بكمية ما توفره من أساسيات الطعام لا بمدى فرحة الأطفال.

وفي عدن، المدينة التي ظلت على الدوام بوابة اليمن البحرية إلى العالم، تبدو الحياة أكثر قسوة كلما اقترب العيد، فلا الرواتب منتظمة، ولا الكهرباء تطرق الأبواب، والغلاء يقف على النواصي يساوم الناس على فرحتهم.

 

تعز.. المدينة المحاصرة بالحنين

في تعز، العيد يُشاهد من خلف النوافذ، وتُؤدى تكبيراته في المساجد التي نجت من قذائف الحرب. الناس هنا لا يسألون عن الأضاحي، بل عن قيمة اللحم بالكيلو، أما الأطفال، فينظرون إلى واجهات المحال كما لو أنها نوافذ إلى عالم آخر لا يخصّهم.

 

الحديدة.. بين ملوحة البحر ومرارة العيد

في الحديدة، حيث البحر قريب ولكن المعيشة بعيدة، يعجز الصيادون عن اصطياد فرصة للحياة، ناهيك عن أضحية العيد.

الأسواق مزدحمة، لكن ليس للبيع، بل كأن الناس خرجوا ليذكّروا أنفسهم أنهم ما زالوا على قيد الحياة. والمواشي في الأقفاص أكثر حرية من الناس في حساباتهم اليومية.

 

إب وريمة وذمار.. مدن ترتدي العيد بالحساب

في إب، الخضراء التي طالما تباهت بخيراتها، باتت الأسواق مسارح للعرض فقط، يمر الناس أمام الأكشاك كما تمر الريح على سنابل اليابس.

وفي ريمة وذمار، ترتفع أصوات الباعة، لا لأنهم يبيعون، بل لأن الصمت صار مكلفًا، والصبر صار بضاعة فاسدة.

كل شيء هناك يُحسب بالدقيقة والريال، حتى الفرح صار يُستأذن قبل الدخول.

 

مأرب وحضرموت وشبوة.. النفط لا يضيء موائد العيد

وفي محافظات الثروة، حيث يُستخرج النفط وتُضخّ الموارد، لا يختلف العيد كثيرًا.

في مأرب، الكفاح ما زال طازجًا، لكنه لا يُترجم إلى لقمة سائغة على مائدة العيد.

أما حضرموت وشبوة، فتبدو كمن يحتفظ بالماء لكنه لا يرتوي، يملك الموارد ولا يملك أدوات الفرح، يملك الأرض ولا يملك الراحة.

 

صعدة والجوف وحجة.. العيد في ظلال المواشي والرصاص

في الشمال، حيث تسكن الجبال صعدة والجوف وحجة، تتجاور الخراف مع البنادق في الأسواق، ويصطف المواطن بين هاجس الأمن وهمّ السعر.

الأضاحي هناك، إن وُجدت، تُشترى بصمت، ويُؤدَّى ذبحها في خفاء، لا خشيةً من الحرام، بل اتقاءً لحسد الفقراء.

 

الضالع ولحج وأبين.. مكافأة الصبر غير موجودة

في الضالع ولحج وأبين، لا شيء يمر بسهولة. الناس هنا يشبهون صخورهم، صلبة أمام المِحن، لكن العيد لا يمر عليهم كما ينبغي.

يتقاسم الجيران ما تبقى من ملابس الأعوام الماضية، ويقنع الأطفال أن الفرح لا يحتاج لأحذية جديدة.

 

العيد في اليمن: مسرح للفراغ الكبير

الأسواق الشعبية، من سوق “الضباب” في تعز، إلى سوق “يريم” في إب، ومن حراج المواشي في الحديدة إلى أسواق المعلا في عدن، تشهد جميعها حركة لا تشبه البيع ولا الشراء.

حركة الناس فيها أشبه بمن يفتش في الأمل عن فتات فرحٍ عالق في زوايا الأسعار.

 

الضحية ليست الكبش فقط

في اليمن، ليست الأضاحي ما يُقدَّم على مذبح الأزمة، بل المواطن نفسه.

هنا، يصبح الفقير هو الضحية، وتُذبح أحلامه كل عام بسكين الغلاء، وتُسفك آماله على قارعة الانتظار، في وطنٍ تُغتال فيه المناسبات السعيدة برصاصة الاقتصاد.

عيد الأضحى في اليمن… مناسبة لا يسأل فيها الناس: “ماذا ستضحّي؟” بل يسألون: “من تبقّى ولم يُضحَّ به بعد؟”.